💝واحــة الــخـواطـر💝

عـبـارة عــن مـدونـة ضـخـمـة تـحـتـوي عـلـى جـمـيـع اقـسـام و انـواع الــخـواطـر[ رومـنـسـيـة -حـزيـنة - كـبـريـاء - عـتـاب - اشـتـيـاق ]

💝واحــة الــرسـائـل💝

عـبـارة عــن مـدونـة ضـخـمـة تـحـتـوي عـلـى جـمـيـع اقـسـام و انـواع الـرســائـل[ رســائـل رومـنـسـيـة - رســائـل حـزيـنة - رســائـل كـبـريـاء - رســائـل عـتـاب - رســائـل اشـتـيـاق -رســائـل خـيـانـة ]

💝 واحــة الـغـرائـب والـعـجـائـب 💝

عـبـارة عــن مـدونـة ضـخـمـة تـحـتـوي عـلـى جـمـيـع اقـسـام و انـواع الـعـجـائـب و الـغـرائـب[ مثلث برمودا - اشياء حـيـرت العلماء - اشياء عجز العلم عن تفسيرها - علم الضواهر الخارقة للطبيعة - علم الميتافيزقيا - ....الـــخ ]

💝 واحة الصور والرمزيات 💝

عـبـارة عــن مـدونـة ضـخـمـة تـحـتـوي عـلـى جـمـيـع انـواع الـثـقـافـة[ حكم وامثال - صور وعبارات - شـعـر - ....الـــخ ]

مـدونـات 💝≤سـآحٍــر êŷâđ آلُــعـيَــۆن≥💝

ترحب بزوارها الكرام اتمنى ان تنال مواضيعي على اعجابكم ورضاكم دمتم برعاية اللة تعالى

قرية الموتى ... اكبر عملية اختطاف فضائي







قرية الموتى ... اكبر عملية اختطاف فضائي

بسم الله الرحمن الرحيم

تقع هذه القرية على يمين بحيرة آنجيكوني الذي يشغل مصبها سمك السلمون المرقط و سمك الكراكي في منطقة كيفاليك النائية في نانوفوت في كندا و اشتهرت بحسن استقبالها لصيادي الفراء الكنديين الذين يمرون من خلالها في أحيان كثيرة أثناء ممارستهم لمهنتهم.

هذه المنطقة المنعزلة في القطب الشمالي مليئة بأساطير أرواح الغابة الشريرة و الوحوش مثل وحش وينديغو الذي نصفه إنسان و يتغذى على لحوم البشر, هذا الوحش الذي شكلته الأسطورة على انه عقاب على عادة أكل لحوم البشر, و عندما يأكل رجلا فهو لا يشبع لكن تزداد رغبته في التهام المزيد

أين اختفى ساكنيها ؟

قرية صغيرة اشتهرت بحسن الاستقبال والضيافة للصيادين
في إحدى ليالي القطب الشمالي في شهر أكتوبر من عام 1930 كان صائد الفراء الكندي جو لابيل يبحث عن مكان دافئ ليرتاح فيه من البرد القارس و كان ماراً بقرية انجيكوني و التي يعرفها من رحلاته السابقة ويعرف أنها قرية يكثر فيها صيد الأسماك تضج بالحياة و تملؤها الأكواخ و كان على علاقة ودية مع سكانها المحليين من الاسكيمو و الذين يشتهرون بلطفهم و دماثتهم, توجه جو إلى القرية و عندما وصل إلى مدخلها صرخ ملقيا التحية لكنه لم يتلقى أجابه و كان السكون يعم المكان , فأكمل طريقه إلى داخل القرية لكن صمت القرية استمر و كان الصوت الوحيد التي يسمعه هو تهشم الثلج المتجمد تحت حذائه .

مشى بمحاذاة النهر فوجد قواربهم في أماكنها مربوطة بالحبال من دون أية حماية من عوامل الطقس و هي من الأشياء التي يستحيل أن يفعلها الاسكيمو فهم لا يبرحون قريتهم من دون قواربهم لأنها إحدى وسائل الحياة بالنسبة لهم ثم لم يحدث أبدا أن تركوها مهملة. توجه إلى أعماق القرية حيرانا متسائلا عما حدث لسكانها.

و لأنه رجل حنكته كثرة الترحال أخبرته غريزته انه هناك شيء مريب و خطير قد حدث. اظهر له ضوء القمر الهياكل المتداعية للمنازل لكنه لم يرى انساناً واحدا, حتى الكلاب التي كانت تملأ القرية كانت قد اختفت, و لم يكن هناك أية علامة للحياة, حتى داخل الأكواخ التي يمكن دائما سماع الضحكات و أحاديث الأهالي تأتي من داخلها كانت لا حياة فيها و مداخنها التي كانت لا تنطفئ كانت خامدة جميعها, كان سكان القرية البالغ عددهم 30 (و قد قيل أن عددهم 2000) من رجال و نساء و أطفال قد اختفوا.

قرر أن يتحقق من الأكواخ ليتأكد مما في داخلها, قام بسحب مصاريع الأبواب المصنوعة من جلد الوعل وبحث داخل الأكواخ و هو يأمل أن يجد ما يدله على أن سكانها قاموا بنزوح جماعي, لكنه وجد أن جميع الأكواخ مليئة بمخزونها من الطعام والملابس, ووجد أن أسلحتهم موجود بالقرب من الأبواب و دله هذا على ا ن أهلها لم يخططوا لتركها أو الهجرة من قريتهم كما ا ن أهل القرية لا يخرجون أبدا من دون أسلحتهم.

في أحد الأكواخ وجد قدرا يحوي حساء قد بدأ يتعفن مع مرور الوقت و كذلك عثر على معطف طفل صغير مصنوع من جلد الفقمة و نصفه مرتق و قد تم رميه على احد الأسرة ومغروز به إبرة مصنوعة من العظام و بدا أن احدهم حصل له أمر ما في أثناء خياطته.

تفقد مخازن الأسماك فلاحظ أن مخزونها مازال لم يستهلك بالكامل, و لم يلاحظ أية علامة على وجود صراع أو قتال من أي نوع, و أدرك جيدا أن هجرهم لمنازلهم المليئة بالطعام من دون أن يأخذوا أسلحتهم أو معاطفهم التي تقيهم صقيع البرد لا يدل على أن الأمر عادي مهما كان الظرف الذي أجبرهم على ذلك.

لأن جو كان صائد فراء فهو كان مخضرما في التعقب أمضى الكثير من حياته يتعقب الفرائس في الغابات الكثيفة التي يصعب الدخول إليها, و لم يكن ليرتعب أو يهلع بسهولة فقام بالتحقق من حدود القرية و حاول أن يعثر على آثار أقدامهم على الثلج ليعرف أي الاتجاهات سلكوا أثناء خروجهم من القرية, لكن بالرغم من أن هجرتهم للقرية حدثت قريبا و بشكل سريع جعلهم يتركون طعامهم على النار و ذلك حسب الدلائل التي وجدها, إلا انه لم يجد لهم أي اثر يدله على أي طريق أو جهة سلكوا برغم من محاولاته الشاقة حيث لا أثار خطوات على طول القرية و عرضها أبدا و كأنهم تبخروا في الهواء.

مخزن مكنزي ..
لم يبقى تمامه إلا مكان واحد وهو مخزن للأسماك ذا بناء إسمنتي يقع على بعد عدة أميال شمال القرية, كان صاحبه رجل في الستينات من عمره يدعى مكنزي يعيش في كوخ خشبي متداعي متصل بالمخزن, مكنزي كان كولونيلا متقاعدا يعاني من عرج بسيط بسبب داء المفاصل كذلك بسبب تعرضه لحادث عندما كان في الجيش. وكان مخزنه هو نقطة التقاء أهل القرية يلتقون فيه ببعض و يتبادلون الأحاديث و الأقاويل. و بسبب صعوبة الحركة لديه فهو يظل في مكانه طوال اليوم, توقع جو أن يجده هناك و أن يستفسر منه إن كان يعرف أي شيء عن أهل القرية و لكن لشدة مفاجأته فهو عندما وصل هناك لم يجد لا مكنزي و لا أي شخص آخر .

كان المكان مخربا و كانت الزجاجات التي كانت تحوي القليل من الخمر الذي بدأ يتبخر مرمية على الأرض و متكسرة و كانت الكراسي الخشبية التي كان مكنزي يضعها لزبائنه جميعها مفقودة, و كانت عظام الحوت التي يحتفظ بها في الكوخ بالإضافة إلى عكازه الخشبي مكسرة و متناثرة على الأرض أمام باب الكوخ, وجد مذكرات مكنزي تحت الوسادة و كانت مفتوحة و آخر ما كتب فيها كان في اليوم السابق لاختفائه و ذكر فيها رؤيته لنور ازرق غريب في السماء. مكنزي كان رجل يعاني من العرج و لا يغادر منزله لأي مكان بعيد و في نفس الوقت هو رجل قوي لا يمكن التغلب عليه بسهوله.

أمور غريبة

كان الحساء ترك يتفحم على النار ..
أثناء تجوله في المنزل نظر جو مع النافذة ناحية الشرق فرأى شرارة نار تضيء على الثلج و لم يرى أحدا حولها, حاول أن يهدئ من روعه و استجمع قواه واتجه نحو الجذوة المضيئة فوجد إناء به حساء من دهن الفقمة و هو وجبة منتصف الصباح التي كان الاسكيمو معتادين على تناولوها, كان الحساء متفحما تُرك يطهو على النار حتى احترق و هذا أوحى إلى جو أن الذي كان يطهو الحساء غادر على حين غرة أو فوجيء بأمر اضطره إلى تركه أو نسيانه.

على بعد أربعة أمتار من النار وجد ملابس يتم ارتداؤها عادة تحت الأثواب و كانت ممزقة و قد بهت لونها و مكتوب عليها بالقلم الأسود ( عزيزي بيني), و بجانب حجر كبير وجد نظارة ذات إطار اسود كثيف و كان معوجا قليلا و عدساتها مفقودة و تعرف جو مباشرة على النظارة التي كانت تعود لقائد القبيلة (بيني اتمونيجي) و الذي توفي منذ عام بعد إصابته بالجدري, كان بيني صديقه منذ عشرة سنوات و تذكر جو مراسم الجنازة بشكل واضح حيث يتذكر أن نظارات بيني تم و ضعها في الجيب العلوي لمعطفه المصنوع من جلد الفقمة بالإضافة إلى علبه سجائره المفضلة و دفنت معه و كما يعلم جو فإن بيني لم يملك في حياته إلا نظارة واحدة .

قرر ان يذهب لمكتب التلغراف
كان جو متعبا و جائعا و يشعر بالبرد الشديد إلا انه لم يستطع البقاء ليأكل شيئا و أن ينعم بنوم هادئ او أن يتدفأ قليلا في أحد الأكواخ لأنه كان متأكدا انه لو بقي فقد يتعرض لشيء خطير, لذلك قرر أن يذهب إلى مكتب التلغراف الذي يقع على بعد مئات الأميال فحث خطاه في طقس درجة حرارته تحت الصفر و ذلك خشية أن يحدث له شيء مريع مثل ما حدث لأهل القرية لأنه كان يعتقد أن ما حدث لهم كان شيئا غامضا و خارقا.

دخل متعبا إلى مكتب التلغراف و ابرق رسالته و في غضون دقائق أرسلت الرسالة إلى اقرب ثكنة لشرطة الخيالة الكندية الملكية, و خلال ساعات و صل الخيالة و بصحبتهم الكاتب الصحفي جورج سرفافيو و الذي كتب مقالة من خمسة أعمدة في صحيفة نورثويست عما وجدته الشرطة.

وصول الشرطة و تحقيقاتهم

كان جو قد ارتاح و نام لبضع ساعات ليروي لهم حكايته المثيرة للقلق. ارتاح شرطة الخيالة في كوخ صياد فراء يدعى ارماند لورانت يتشاركه مع ابنيه و ذلك في طريقهم إلى قرية آنجيكوني و اخبروه بمجيئهم للتحقيق في بلاغ عن مشكلة ما وقعت هناك و سألوه ما إذا كان يعرف أي شيء قد يفيدهم, تذكر لورنت انه رأى هو و ابنيه شيء غريب لامع يحلق في السماء قبل الحادثة بأيام قليلة, و قال انه كان كبيرا جدا و كان مضيئا و لاحظ شيئا غريبا أثناء تحليقه حيث قام هذا الجسم الغريب بتغيير شكله من الاسطواني و اتخذ شكل الرصاصة مباشرة أمام أعينهم, و اخبر الشرطة أن هذا الجسم الغريب اتجه شرقاً ناحية قرية آنجيكوني و اختفى معه النور الأزرق.

الشرطة الكندية ذهبت إلى القرية ..
بعد ذلك غادروا متجهين إلى القرية, عندما وصلوا إلى هناك تأكدوا من أقوال جو لابيل جميعها, ثم استكملوا تحقيقاتهم و أثناء بحثهم في القرية قرروا التوجه إلى المقبرة فوجدوا ما أصابهم بالهلع. كانت جميع القبور الموجودة في المقبرة مفتوحة, وقد تم إخراج عظام الموتى التي بداخلها وألقيت نفايات القرية مكانها لكن واحداً فقط من هذه القبور ظل مغلقا و لم يتم انتهاكه , تبين أن هذا القبر يعود لمؤسس القبيلة بانكي آكايلو.

كانت الأرض حول المقبرة غير مغطاة بالثلج و كانت دافئة عند لمسها, ليس هذا فقط فقد تم نزع النصب التي تعلم القبور و تم تكديسها في كومتين بشكل مرتب على جانبي القبور وهذا يؤكد أن من فعل ذلك ليست الحيوانات بل احد آخر.علماً بأن انتهاك وتدنيس القبور يعتبر فعلا محرما لدى الاسكيمو. فمن فعل ذلك و لماذا؟.

كان رجال الشرطة في القرية مضطربين مما اكتشفوه وتم تنظيم فريق بحث ضروري بأقصى سرعة, لكن فريق البحث لم يستطع أن يصل إلى أية نتيجة عن مكان أهل القرية لكنهم اكتشفوا شيئا زاد الأمر غرابة, على بعد 300 قدم من حدود القرية عثر فريق البحث على 7 جثث لكلاب الزلاجات , و قد قال احد أخصائي علم الأمراض أن هذه الكلاب ماتت جوعا و انجرف عليها الثلج حتى دفنها على عمق 12 قدم.

كيف تموت هذه الكلاب من الجوع و هي محاطة بأكواخ مليئة بأنواع الطعام؟ فالكلاب تبحث عن الطعام عندما تجوع, اتضح لاحقا أن السبب في ذلك هو انه تم ربط هذه الكلاب في الأشجار القصيرة حتى لا تتحرك.و ذلك يفسر عدم ذهابها للبحث عن الطعام, لكن هذا لا يفسر لماذا ماتت بهذه السرعة فلم يمضي الكثير من الوقت حتى تجوع فبين اختفاء سكان القرية و قدوم جو أيام قليلة فقط, فجو وجد الطعام يحترق على النار التي كانت مازالت تشتعل عندما قدم إلى القرية, فكيف تستلم هذه الكلاب و تموت بسرعة؟ فهل قام أهل القرية بتجويع كلابهم وربطها قبل اختفائهم بوقت طويل؟ كانت هذه الكلاب احد أعمدة الحياة لأهل القرية فلماذا قاموا بذلك ؟ و إن لم يكن هم من فعل ذلك فما الذي حدث إذن؟.

أثناء وجودهم هناك رأى رجال الشرطة نوراً غريبا يميل إلى الزرقة يضيء في الأفق فوق القرية ثم اختفى النور الغريب فجأة و يؤكد الرجال أن هذا النور لا يشبه الشفق القطبي, و بعد مرور أسبوعين على التحقيق و استنادا إلى بعض التوت الذي وجده رجال الشرطة في أحد الأواني تأكد لهم أن اختفاء أهل القرية لم يحدث منذ عدة أيام إنما منذ شهرين على الأقل.
إذا كان هذا صحيح فالسؤال هو من هو الذي أشعل النار الذي وجد جو لابيل جذوتها على وشك أن تنطفئ عندما قدم أول مرة إلى القرية؟!.

على لسان جو

في عام 1930 نشرت صحيفة هاليفاكس هيرالد تقرير عن الحدث بعنوان صائد الفراء المتجول جو لابيل يعثر على قرية الموتى يصف الحدث من وجهة نظره " لقد شعرت مباشرة أن هناك شيء غريب, عندما نظرت إلى الصحاف التي تحوي طعام لم يتم الانتهاء من إعداده, أن هناك شيء حصل لهم أثناء إعدادهم لوجبة العشاء, و في كل كوخ قمت بفتحته وجدت بنادقهم مازالت هناك بجانب الأبواب و ليس من عادة رجال الاسكيمو أن يخرجوا أبدا من المنزل من دون بنادقهم فعرفت أن شيء مريعا قد حدث".

ما الذي حدث لأهل القرية

تضاربت الآراء و التوقعات عما حصل لأهل القرية, لم تكن هناك أية أدلة عما حدث و كيف اختفى ما يقارب 30 رجل و امرأة و طفل هكذا, لا توجد أية آثار لجريمة قتل أو عراك من أي نوع.

اختطاف من قبل فضائيين

هل للأمر علاقة بالصحون الطائرة ؟ ..
في النصف الثاني من القرن العشرين توقع العديد من المتخصصين في علم الأجسام الغريبة الطائرة (UFO) أن سكان القرية كانوا ضحايا لأكبر عملية اختطاف من قبل الفضائيين على مر التاريخ و بني هذا التوقع على ما رآه السيد لورانت وابنيه قبل الحادثة بفترة وجيزة من نور أزرق غريب في السماء مصحوبا بمجسم اسطواني ثم اتخذ شكل رصاصة متوجها نحو القرية, و قد يكون هذا التفسير مقبولا على اعتبار انه لم يكن هناك أية آثار على عراك أو جريمة و لم تكن هناك آثار لخروج أهل القرية من أية طريق بشهادة السيد لابيل الخبير في تعقب الآثار و كأنهم تبخروا في الهواء.

لكن هل ستقوم الكائنات الفضائية بربط الكلاب و طهو الطعام و نبش القبور و وضع النفايات مكانها؟ و هل ستقوم بتخريب البيوت و تكسيرها مثل ما حدث في كوخ مكنزي؟

الخاتمة

بعد مرور عام على الحادثة قامت الحكومة الكندية بهدم القرية بالكامل و مسحها من جميع الخرائط الحكومية و بالرغم من أن بعض الخرائط كانت ما تزال تحمل اسم وموقع القرية حتى منتصف الخمسينات إلا أنها أزيلت الآن بالكامل من الخرائط الحديثة. واعتبرت القضية غير محلولة إلى هذا اليوم

بلانش المرأة التي روعت باريس






بلانش المرأة التي روعت باريس

بسم الله الرحمن الرحيم

جميع البيوت تنطوي على أسرار يحرص أهل الدار على كتمانها جيدا وإبقائها حكرا عليهم ، وهذا أمر مفهوم ، لكن البعض قد يتطرف جدا في مسألة الحفاظ على أسراره ، خصوصا عندما يستشعر خطرا على مكانته الاجتماعية بسببها ، فتراه يبذل كل ما في وسعه لإبقائها طي الكتمان حتى لو استلزم الأمر منه اقتراف أمور بشعة وغير أخلاقية .

في 23 آذار / مارس عام 1901 وصلت رسالة من مجهول إلى مكتب المدعي العام في باريس وتضمنت الآتي :  

" سيدي النائب العام ، لي الشرف في أن أبلغكم بوقوع حادثة خطيرة للغاية ، أنا أتكلم عن عانس تم حبسها في منزل السيدة مونييه ، نصف جائعة تعيش على القمامة العفنة لخمسة وعشرون عاما مضت ، بكلمة واحدة يمكن القول بأنها تعيش في قذارتها " .

عائلة مونييه كانت من أرقى العوائل الباريسية
المدعي العام وجد صعوبة في تصديق ما تضمنته الرسالة ، فالسيدة مونييه ، أو بالأحرى الأرملة لويز مونييه ، كانت من وجوه المجتمع الباريسي الراقي ، وزوجها أميل مونييه كان شخصا بارزا شغل منصب عميد كلية الفنون لسنوات قبل وفاته ، أما أبنها مارسيل فكان حقوقيا محترما أمضى ردحا من حياته كمحافظ لإحدى المدن الفرنسية .

كان آل مونييه نموذجا للعائلة الفرنسية المثالية حتى أنهم حصلوا على جائزة (العمل الجيد) والتي كانت تمنح للمواطنين الفرنسيين المتميزين من ذوي الفضائل والمناقب . كما أن العائلة تنحدر من إحدى أعرق الأسر الفرنسية النبيلة .

الشائبة الوحيدة في سجل آل مونييه الناصع البياض كان يتمثل في أبنتهم ، الآنسة بلانش ، التي اختفت بصورة مفاجئة قبل 25 عاما ولم يرها أحد منذ ذلك الحين . وقد قيل حينها بأنها أحبت رجلا لم يوافق أهلها عليه فهربت معه .

آل مونييه أنفسهم كانوا يتجنبون الحديث عن ابنتهم المفقودة ، مضوا في حياتهم وكأنما لم تكن لديهم يوما ابنة أسمها بلانش . لكن تلك البنت لم تكن الأمر الغامض الوحيد في حياة العائلة ، فعلى مدى سنوات طويلة سرت قصص وحكايات ترتعد لها الفرائص عن أمور مخيفة تقع في منزل العائلة الفخم الذي يقبع في أحد أرقى الأحياء الباريسية . الخدم وبعض زوار العائلة أقسموا بأنهم سمعوا صرخات وآهات موحشة يتردد صداها في جنبات ذلك المنزل الكئيب ولا أحد يعلم مصدرها ، لذلك أشيع بأن المنزل مسكون بالأشباح .

كان هناك غموض حول مصير ابنة العائلة ..
كانت عائلة مونييه فوق الشبهات ، لكن المدعي العام كان على علم بشأن قضية أبنتهم المفقودة وما يتردد حول منزلهم من أمور غامضة ، لذلك قرر إرسال بعض محققيه ليتبينوا حقيقة ما ورد من معلومات في الرسالة الغامضة .

رجال الشرطة طرقوا باب آل مونييه وهم يحملون أمرا قضائيا بتفتيش المنزل ، وسرعان ما راحوا يجوبون أرجاء المنزل الواسع بحثا عن أي شيء غير مألوف أو مثير للشبهات . أخيرا وصلوا لباب مقفل في الطابق العلوي فطلبوا فتحه ، لكن الخدم قالوا بأن المفتاح مفقود ، فلم يجد رجال الشرطة بدا من فتح الباب عنوة ، وما أن فعلوا ذلك حتى وجدوا أنفسهم وسط ظلام دامس ورائحة كريهة لا تطاق كأنهم ولجوا إلى قبر مغلق منذ قرون . وبصعوبة ومشقة كبيرة تمكن أحدهم من فتح نوافذ تلك الحجرة دامسة الظلام ، الغريب أنه ما أن لمس الستائر بأصابعه حتى هوت أرضا تحمل معها سيلا لا ينتهي من التراب كأنها لم تفتح منذ دهور .

ولندع الضابط المسئول يحدثنا عما وقع بعد ذلك ، فقد كتب في تقريره التالي :

" حالما دخل الضوء من النافذة لاحظنا وجود امرأة في مؤخرة الغرفة وهي تقبع فوق سرير وتغطي رأسها وجسدها بلحاف قذر ، وقد تم التعرف عليها بأنها الآنسة بلانش مونييه . المرأة المسكينة كانت ترقد عارية تماما فوق ذلك الفراش من القش العفن ، وحولها كانت توجد بقعة كبيرة من البراز وبقايا الطعام من لحوم وخضروات وسمك وخبز عفن ، حتى أننا رأينا صدف المحار ، وكانت هناك حشرات تجري فوق الفراش . الهواء كان ثقيلا لا يطاق ، تنبعث منه رائحة كريهة خانقة بحيث أننا لم نتمكن من البقاء لفترة طويلة من اجل إنهاء تحقيقنا " .

وهكذا تكشف أخيرا سر عائلة مونييه الرهيب .. فابنتهم التي زعموا بأنها مختفية منذ ما يزيد على العشرين عاما اتضح بأنها لم تغادر المنزل أصلا ، طوال تلك السنوات كانت الفتاة المسكينة حبيسة غرفتها تعيش وسط كومة من القاذورات وفي ظلام دامس . كان جسدها متسخا وشعرها طويل جدا وعظامها تكاد تفر من جسدها لشدة هزالها إذ بالكاد كانت تزن 25 كيلوغرام .

كان منظرها الآنسة بلانش مروعا ومخيفا فظن رجال الشرطة بأنها تحتضر وقاموا بلفها بلحافها القذر ثم هرعوا بها إلى المستشفى ، وفي هذه الأثناء كانت أمها ، السيدة لويز مونييه ، تجلس بهدوء وبرود كبير في البهو الكبير وهي تطرز قطعة قماش غير آبهة بما يجري من حولها .

في المستشفى قاموا بغسل بلانش وتنظيفها ، الممرضات قلن بأن بلانش شعرت بسعادة عارمة حين لامس الماء جسدها واستنشقت هواءا نظيفا ، حتى أنها هتفت بحماسة كالأطفال : "ما أجمل هذا !" . لكن على عكس استمتاعها بالماء والهواء النقي كانت لا تتحمل الضوء وتفر منه ، ربما بسبب السنوات الطويلة التي قضتها في الظلمة لم تعد عيناها وبشرتها تتحمل الضوء .

ولاحظ الجميع بأنها هادئة ومستكينة جدا ، بالكاد تتكلم أو تتحرك ، على عكس ما زعمه شقيقها مارسيل من أنها : " هوجاء وعصبية وشديدة الحماس وتتقد غضبا " .

تحقيقات الشرطة

خفايا قصة الآنسة بلانش مونييه بدأت تتكشف للشرطة والصحافة شيئا فشيئا . خيوط القصة تعود إلى ما يزيد عن الربع قرن ، تحيدا عام 1875 ، في تلك الفترة كانت بلانش تعيش مع جدتها ، وكانت تلك الجدة امرأة طيبة القلب إلى أبعد الحدود وتحب حفيدتها حبا بلا حدود ، كانت أقرب إليها من أمها ، فهي التي ربتها بسبب انشغال والد الفتاة بعمله في باريس واصطحابه الدائم لزوجته معه .

تلك الفترة كانت الأسعد والأجمل في حياة بلانش التي كانت آنذاك شابة حسناء في العشرينيات من عمرها بشعر يحاكي الليل في سواده وعيون فاتنة تضاهي البحر في زرقتها وصفاءها ، كانت فتاة ذكية تتقد حيوية ، وبمباركة جدتها تعرفت على محامي وسيم يكبرها بعدة سنوات وأحبته حبا جما . ولم يكن الرجل مخادعا ولا لعوبا ، بل طرق البيوت من أبوابها وتقدم رسميا لخطبة حبيبته . لكنه جوبه برفض قاسي من قبل والدها .

كان والد بلانش كاثوليكيا ثريا ينتمي للطبقة النبيلة ومن دعاة الملكية ، أما المحامي الشاب فكان بروتستانتيا فقيرا من دعاة الجمهورية ، وبسبب هذه الاختلافات الدينية والطبقية والسياسية لم ينل الشاب قبول ورضا أهل الفتاة بل طردوه من منزلهم شر طردة . ومع هذا لم ييأس ، حاول مرارا وتكرارا .. لكن في كل مرة كان يجابه بالرفض والكلام القاسي .

ورغم معارضة عائلتها أصرت بلانش على المضي في علاقتها مع بحبيبها ، ولأننا هنا نتكلم عن أوروبا القرن التاسع عشر ، حيث لم تكن الفتاة الأوروبية تحظى بنفس مساحة الحرية التي تمتلكها اليوم ، لذلك بذلت عائلة بلانش كل ما في وسعها لتطويع أبنتهم وتقييد رغباتها ، خصوصا بعد موت جدتها التي كانت تدافع وتذب عنها ، فبدئوا يضيقون عليها ويمنعونها من الخروج ، وصارت بلانش تتبادل الرسائل سرا مع حبيبها ، تطوي الرسالة كالكرة ثم ترميها من نافذتها فيتلقفها حبيبها الواقف عند سور المنزل ، استمر ذلك لفترة ، لكن إحدى تلك الرسائل سقطت عن طريق الخطأ داخل سور المنزل ووقعت بأيدي والدة بلانش ، وعن طريق تلك الرسالة اكتشفت بأن أبنتها تخطط للهرب برفقة حبيبها من اجل أن يتزوجا بعيدا عن أنظار العائلة ، وهو الأمر الذي أغضبها بشدة فقررت بمساعدة زوجها وأبنها أن يقوموا بحبس الابنة المتمردة داخل حجرتها ويمنعونها حتى من فتح نافذتها .

الفتاة توسلت ، انتحبت طويلا ، طلبت الرحمة ..

لكن لا حياة لمن تنادي .. كانت قلوب آل مونييه أقسى من الحجارة ..

ما جرى للفتاة بعد ذلك وصفته صحيفة التايمز في احد أعدادها الصادرة عام 1901 ، فكتبت الآتي :

"مرت السنوات مسرعة ، لم تعد بلانش شابة ، الرجل الذي أحبته مات فجأة عام 1885 ، وطوال تلك السنين كانت بلانش حبيسة غرفتها تتغذى على فضلات الطعام المتبقية على طاولة أمها ، أنيس وحدتها الفئران الذين قاسمتهم كسرات الخبز اليابسة ، لقد عاشت في ظلام دامس ، لم يكن شعاع الشمس يصل زنزانتها ، ولا يعلم سوى الله ما عانته تلك المسكينة لوحدها في تلك الغرفة على مدى أعوام " .

والد بلانش مات عام 1882 ، لكن ذلك لم يغير شيئا من واقع حياة الابنة ، فالأم أصرت على إبقاءها حبيسة حجرتها ، وقد زعم شقيقها مارسيل لاحقا بأن شقيقته أصيبت بلوثة في عقلها وأنها هي التي حبست نفسها داخل حجرتها وعزلت نفسها عن العالم ولم تحاول ولو لمرة واحدة أن تغادر غرفتها طوال تلك السنين .

لكن إدعاءات مارسيل تناقضها رواية الشهود ، خصوصا خدم المنزل ، فبعضهم قالوا بأن سمعوا في عدة مناسبات صوت امرأة تبكي وتنادي بكلمات من قبيل : "الشرطة" .. "الرحمة" .. "الحرية " .

أحد الشهود قال بأن سمع مرة في عام 1892 امرأة تصرخ قائلة : " ماذا فعلت لكي تحبسوني ؟ .. أنا لا أستحق هذا التعذيب الرهيب ، كيف يسمح الله بتعذيب مخلوقاته بهذا الشكل ؟ .. وكيف لا يأتي أحد لنجدتي! " .

ماذا حدث بعد ذلك ؟ ..

الصحافة كتبت عن قصة بلانش بشكل موسع ، وكان الأمر بمثابة صدمة للرأي العام الفرنسي ، كان أكثر ما روع الناس وأثار سخطهم هي تلك الصورة الرهيبة التي نشرتها الصحف لبلانش حين تم نقلها للمستشفى أول مرة بعد خروجها من زنزانتها المنزلية ، كانت صورة مخيفة قد يظن من يراها للوهلة الأولى بأنها صورة لوحش أو عفريت .

تم إلقاء القبض على السيدة لويز مونييه وإيداعها السجن ، الناس تجمهروا أمام السجن وراحوا يرددون عبارات مليئة بالكراهية والتهديد ضد الأم القاسية ، فقامت الشرطة بنقلها لمكان أكثر أمنا ، ولم تلبث أن نقلت للمستشفى أثر تعرضها لأزمة قلبية ، وهناك فارقت الحياة بعد 15 يوم فقط على تحرير أبنتها من حجرتها المظلمة .

ويقال بأن دمعة يتيمة ترقرقت من عين العجوز قبل أن تغادرها الروح ، وكان آخر ما نطقت به هو : " آااااه .. طفلتي المسكينة بلانش " .

مارسيل مونييه حوكم في نهاية عام 1901 بتهمة تعذيب واختطاف واحتجاز شقيقته قسرا ، المحاكمة استمرت لأربعة أيام وانتهت بالحكم عليه بالسجن لمدة 15 شهرا ، وقد فرح الناس بهذا الحكم واعتبروه بمثابة رد اعتبار بسيط لبلانش . لكن مارسيل لم يقضي يوما واحدا في السجن ، إذ تقدم باستئناف إلى محكمة أخرى ، ورأى القاضي بأنه لم يكن له أي يد في تعذيب شقيقته فأطلق سراحه .

مارسيل باع جميع ميراثه ثم انتقل للعيش في الريف معتزلا الحياة الاجتماعية والمهنية ، ربما أراد الابتعاد عن الناس والهرب من نظراتهم المليئة باللوم والاحتقار ، وهناك مات وحيدا عام 1913 .

بالنسبة لبلانش ، فالظاهر أنها فقدت رشدها بعد كل تلك السنوات من السجن القسري والعزلة عن العالم ، لذلك تم تحويلها إلى مصحة للإمراض العقلية ، وهناك عاشت كالشبح لمدة 12 عام ، قليلة الكلام والحركة ، تجلس لساعات كالتمثال تحدق في الفراغ ، لا أحد يعلم إلى أين كانت تسرح ، وما الذي كان يدور في عقلها ، هذا إذا كان قد تبقى لها عقل طبعا . وهكذا ، على هذه الحالة المحزنة مرت أيامها وسنواتها بصمت حتى وافتها المنية في ذات يوم من عام 1913 .

رواية أخرى للأحداث

للأمانة فأن قصة بلانش التي رويناها لكم أعلاه هي المنتشرة والمتداولة على معظم المواقع الانجليزية والفرنسية ، لكن هناك رواية أخرى تتطابق نوعا ما مع ما قاله مارسيل في المحكمة في أن شقيقته كانت تعاني أصلا من مشاكل عقلية وإنها هي التي اختارت الانعزال داخل حجرتها طوال تلك السنوات وأن أحدا لم يجبرها على ذلك .

صحف ذلك الزمان كتبت بإسهاب عن القضية ..
وبحسب الرواية الثانية فأن والدة بلانش كانت تعتني بابنتها طوال سنوات عزلتها ولم تكن الفتاة معرضة للإهمال ، إذ لا يعقل بأنها لم ترى ضوء الشمس ولا اغتسلت وعاشت وسط البراز والقمامة والفئران لمدة 25 عاما . ذلك مستحيل طبعا .. كانت لتموت منذ أمد بعيد . الأرجح أن الأم كانت فعلا تعتني بابنتها ، لكن خلال الشهرين الأخيرين ، وبحسب ما ذكره مارسيل في المحكمة ، أصيبت الأم بمشكلات صحية وكانت تعاني مرضا في القلب لذلك لم تستطع أن تعتني بابنتها كما يجب فأدركها الإهمال .

هذه الرواية معقولة ، لكن يبقى سؤال ، إذا كانت العائلة مهتمة فعلا لحال أبنتها فلماذا لم يكلفوا إحدى الخادمات لتعتني بها ؟! .. خصوصا وأن المنزل كان يعج بالخدم ، وإذا كانوا لم يجبروها فعلا على البقاء في حجرتها فلماذا لم يعرضوها على طبيب أو يودعوها في مصحة عقلية ، ولماذا أبقوا سر وجودها طي الكتمان طوال تلك السنوات ؟.

أخيرا يبقى لغز الرسالة المجهولة ، يا ترى من أرسلها لمكتب المدعي العام ؟.. هناك عدة آراء بهذا الصدد . البعض يرى بأن مارسيل هو الذي أرسل الرسالة لأنه كان يعلم بأن أمه مريضة وتحتضر ، فخشي أن يتحمل مسؤولية شقيقته لوحده . وهناك رأي آخر بأن مرسل الرسالة هو جندي كان صديقا لإحدى خادمات منزل آل مونييه .

ختاما ..

ما يؤلم ويحز في النفس هو أن قصة بلانش ليست فريدة ولا نادرة حتى في أيامنا هذه ، فكم من فتاة أجبرت على ترك المدرسة وحبست داخل منزلها واضطرت للزواج بشخص لا تحبه ولا تريده . إن المرء قد يتحمل أصناف العذاب والظلم حين يقع عليه من قبل الغرباء ، لكن أن يتعرض للظلم ويطاله الحيف والجور من أهله فهذا لعمري من أصعب الأمور وأشدها وقعا على النفس . ولقد صدق الشاعر طرفة بن العبد حين قال :

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد

الجلاد










الجلاد

بسم الله الرحمن الرحيم

قد تعتقد عزيزي القارئ و أنت تؤدي مهنتك بضيق وإرهاق, أنها أصعب مهنة في العالم والأقل توفيرا للدخل. لكنك قد تسهى عن حقيقة أن هنالك مهن أخرى أكثر صعوبة بل و أحيانا تكون مستحيلة من ذلك مهنة الجلاد أو السياف أو ببساطة منفذ حكم الإعدام. فكثيرا ما قرأنا عن شخصيات عبر التاريخ نفذت فيها أحكام الإعدام بأشكاله المتعددة لكننا لم نكد نتعرف على هوية و طبيعة بعض هؤلاء الناس الذين كلفوا بأداء المهمة. في وظيفة أقل ما يقال عنها أنها مرعبة وقاسية.

جاك كيتش .. الجلاد الأكثر غباءا في التاريخ ! ..
في العصور الوسيطة كان الإعدام يتم علنيا وفي أماكن عامة. وكان له هدفان أساسيان أولهما هو إحداث حالة من الصدمة والرعب داخل نفوس الحاضرين وثانيهما هو تـنفيذ العدالة الإلهية بيدي جلاد خبير ذو وقار في عمله. وغالبا ما يكون عملا موروثا من الآباء والأجداد. ومثلما سجل التاريخ شخصيات أتقنت عملها إلى درجة كبيرة. سجل أيضا بعض الأسماء التي لم تبرع جيدا في مهمة الجلاد فجعلت عملية قطع الرأس بشعة ودموية ومليئة بالمعاناة للضحية وكذلك للمشاهدين. و نجد أبرز الشخصيات التي حملت لقب "أكثر الجلادين دموية" هو الإنكليزي جاك كيتش Jack Ketch . فقد كان رمزا للرعب لدى الكثيرين. حتى أن بعض الآباء حين كانوا يرغبون في إخافة أبنائهم يذكرون أن جاك كيتش يختبأ داخل الخزانة فترى الأطفال المساكين يرتعدون خوفا.

غادر جاك كيتش إرلندا وهو لا يزال شابا بإتجاه لندن أواسط القرن السابع عشر. وأغلب الظن أنه بدأ عمله سنة 1663 في فترة تميزت بعدم الاستقرار داخل المجتمع الإنكليزي تحت حكم الملك تشارلز الثاني.

لم يكن السيد كيتش مشهورا من حيث حسن أداء مهامه أو دقته في قطع الرؤوس. بل على العكس من ذلك تماما إذ عرف بساديته ووحشيته في تنفيذ الإعدام وذلك عن طريق استعمال الفأس. فغالبا ما كان يصوبه إلى أماكن خاطئة من الجسد فيدفعه ذلك إلى إعادة الضربة وتكرار العملية مرات عديدة. فيصبح الإعدام عملية مربكة ومرهقة لجاك. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ إحساس الضحية تجاه تلك الأخطاء القاتلة للجلاد .

و قبل تنفيذ كل حكم يتم الإعلان عنه بقصاصات تعلق في كامل المملكة. وغالبا ما كانت الأحكام التي يتكفل جاك كيتش بتنفيذها هي الأكثر إقبالا من الرعية. وأشهر تلك المحاكمات هي إعدام دوق منماوث جيمس سكوت الإبن غير الشرعي للملك و اللورد ويليام راسل عضو البرلمان والذين أتهما بالتآمر على قتل الملك تشارلز الثاني وشقيقه جيمس دوق يورك وولي العهد. وذلك لتنصيب دوق منماوث جيمس سكوت خليفة لوالده الذي لم يرزق بأطفال من زوجته الملكة الكاثوليكية. لذلك يقال أنه تزوج سرا من عشيقته البروتستانتية لوسي ولتر. لكن الكنيسة بروما لم تكن لتقبل بوريث للحكم غير كاثوليكي.

حتما "أمه داعيه عليه" من كان يرميه حظه السيء تحت رحمة سيف كيتش البليد ..
سنة 1683نفذ جاك كيتش حكم الإعدام في اللورد ويليام راسل. كانت محاكمة دموية جدا كلفت الضحية الكثير من الألم والعديد من الضربات الموجعة بالفأس. وصفها المؤرخون" بالسجل الأسود" في تاريخ بريطانيا. لكن كيتش برر دموية الإعدام الذي نفذه "بسوء تموقع اللورد راسل أثناء ضربات الفأس". بعد ذلك بسنتين اقتيد دوق منماوث جيمس سكوت إلى الساحة الأمامية لبرج لندن ليجد كيتش بإنتظاره ولم يشفع له رجاءه لوقف الإعدام. حتى أنه قدم لجلاده قطعا ذهبية ليرأف به أثناء التنفيذ. لكن حضه لم يكن أفضل ممن سبقوه ، فتحمل ثمان ضربات بالفأس قبل أن يسلم روحه إلى خالقه. 
ويقال أيضا أنه بعد قطع رأسه تم اكتشاف حقيقة أن الدوق جيمس سكوت لم يكن له أية صورة لذلك قاموا بخياطة رأسه المقطوع إلى جسمه ثم أجلست جثته على كرسي ليتمكن الرسام من تخليد ملامح الأبن الغير شرعي للملك.

بعض القصص تدعي أن الملك تشارلز الثاني لم ينفذ على إبنه الإعدام وأن من قطع رأسه كان شخصا آخر. وأن الرجل ذو القناع الحديدي في برج لندن كان جيمس سكوت قبل أن يرسله والده إلى فرنسا. أما جاك كيتش فقد أودع بعد ذلك في السجن سنة 1686 بتهمة إهانة رجل أمن وتوفي في نفس العام.

لكل منا قدره في هذه الحياة , فلو لم يذهب هاينريش شميت , ذلك الحطاب الألماني البائس , إلى ميدان بلدته في صباح ذات يوم منحوس قبل أكثر من أربعة قرون , ربما لتغير مصيره ولما أصبح ذلك الرجل الذي يقوم بتسريع رحيل الناس إلى العالم الآخر ! ..

الأمر كله بدأ بشنق بعض اللصوص ..
في ذلك الصباح الكئيب وقف هاينريش وسط حشد كبير من الناس كانوا قد تجمعوا في الميدان الكبير لبلدة هوف البافارية من أجل مشاهدة العقاب الذي سيحل بثلاث لصوص ألقي القبض عليهم مؤخرا . حاكم المدينة أمر بأن يتم شنق اللصوص في الحال , لكن مستشاره همس في أذنه قائلا بأن المدينة تفتقر إلى جلاد متمرس وأقترح عليه أن يتم إعدامهم بطريقة أخرى . بيد أن الحاكم المتغطرس أصر على الشنق , وسرعان ما وجد حلا لمشكلة الجلاد , إذ أومأ نحو الحشود ... حرك يده يمينا وشمالا حتى أستقر أصبعه "المقدس" على رجل طويل القامة قوي البنية فصاح به قائلا : أنت ! ..

ولم يكن ذلك الرجل سوى صاحبنا هاينريش الذي رد باستغراب : أنا يا مولاي ؟! ..

الحاكم : نعم أنت أيها الطويل .. تعال إلى هنا وقم بشنق هؤلاء السفلة الثلاثة .

هاينريش : لكني حطاب بائس يا سيدي ولا خبرة لي بشنق الناس .. أرجوا أن تعفيني من ذلك ..

فقطب الحاكم جبينه وصاح محتدا وهو يلوح بإصبعه كالسيف : أمامك خياران .. أما أن تأتي وتقوم بشنق اللصوص .. أو أن تنضم إليهم .. ليس أنت وحسب .. بل والرجلان اللذان يقفان إلى يمينك ويسارك ..

سبحان الله ! .. يبدو أن هذا الحاكم الألماني يمت بصلة قرابة وثيقة لبعض حكامنا وقضاتنا في الشرق الأوسط "العظيم" ! .. المهم .. أمام هذا الطغيان والاستبداد وهذه القسوة والرعونة لم يجد هاينريش الحطاب بدا من التنفيذ , فأخرج حبله الذي يستعمله لحزم الحطب وقام بشنق اللصوص واحدا بعد الآخر , وحين انتهى من مهمته بنجاح أقترب منه مستشار الحاكم ودس في يده قطعة نقدية فضية .

منذ تلك اللحظة انقلبت حياة هاينريش رأسا على عقب , صار أهل البلدة يتجنبونه كالمجذوم , لم يعد هناك من يشتري منه الحطب , ولم تعد الجارات يطرقن باب زوجته لإلقاء التحية والسؤال عنها , ولم يعد مسموحا لأولاده بأن يلعبوا مع بقية أولاد الحي , لم يعد مرحبا بالعائلة حتى في الكنيسة .. لقد تعرضت العائلة للنبذ الكامل .

طبعا قد يسأل المرء نفسه : ما ذنب هاينريش لكي يعامل هو وعائلته بهذه الطريقة ؟ ..

والجواب يكمن في سلوك البشر تجاه الموت , فمعظم الناس لا يرغبون بأن تكون لهم أي علاقة بكل ما يتصل بعالم الموت وطقوسه , ربما لا يريدون شيئا يذكرهم بأن الموت هو النهاية الحتمية لحياتهم , لدرجة أن بعض الأشخاص قد يشعرون بالسوء لمجرد مرورهم بمغتسل للموتى أو مشرحة أو رؤيتهم لجثة عن طريق الصدفة , وعليه فأن بعض المهن , كالجلاد والدفان , تكون محتقرة ومكروهة , وغالبا ما تكون متوارثة داخل عائلات معينة لأن لا أحد يرغب في امتهانها وممارستها .

بالعودة إلى هاينريش , فبعد عدة أيام على شنقه اللصوص أتاه رسول الحاكم يطلبه لتنفيذ عملية إعدام أخرى , ولأن هاينريش كان بلا عمل جراء نبذ الناس له , لذلك لم يجد بدا من الذهاب أملا بالحصول على بعض المال يعيل به عائلته .. وهكذا أصبح هاينريش جلادا رسميا وتعلم بالتدريج أصول وفنون مهنة القتل والتعذيب وأخذ يلقنها لأبنه البكر فرانز الذي أصبح ساعده الأيمن وحل محله بعد أن تقدمت به السن .

فرانز كان في التاسعة عشر من عمره عندما نفذ أول عملية إعدام بمفرده , حدث ذلك عام 1573 , قام خلالها بشنق أحد اللصوص في بلدة شتايناخ البافارية , وكان عمله متقنا بحيث نال استحسان والده هاينريش وإطراء الموظف المسئول عن تنفيذ قرار المحكمة , فتم تعيينه رسميا كجلاد وسرعان ما أثبت بأنه خير خلف لوالده , إذ أتسم عمله بالدقة والنظافة , وكان من الجلادين القلائل القادرين على فصل الرأس عن الجسد بضربة واحدة من سيفه العملاق , لم يفشل في ذلك خلال سنوات عمله الطويلة سوى أربع مرات , وهي للعلم عملية تحتاج إلى دقة ومهارة عالية , فالقدم يجب أن تكون ثابتة , والساعد حديد , والسيف حاد .. ويجب أن يقع النصل على العنق مباشرة , وهو أمر يفشل فيه العديد من الجلادين , فتراه يخطأ العنق فيصيب الرأس أو الكتف , أو يقع النصل على العنق معوجا , مما يتطلب ضربات أخرى , وفي ذلك ما فيه من بشاعة المنظر , وشدة العذاب والألم للمعدوم .

فرانز كان ماهرا جدا في عمله ..
دقة ومهارة فرانز في قطع الأعناق ليس مردها قوته وبنيته الصلبة فقط , بل احتفاظه بتركيزه على الدوام عن طريق الامتناع عن شرب الخمر , وهو أمر نادر في عالم الجلادين , فأغلبهم مدمن للخمر يعاقرها حتى الثمالة لئلا يرق قلبه أو تخونه شجاعته أو يؤنبه ضميره , خصوصا عند إعدام صغار السن والنساء الجميلات , فالجلاد بالنهاية إنسان . لكن فرانز لم يكن بحاجة إلى الخمر ليعالج ضميره , فهو بالأساس لم يشعر يوما بتأنيب الضمير , التعذيب والموت برأيه كانا تطهيرا لذنوب ضحاياه والسبيل الوحيد لحصولهم على الغفران , ولهذا فقد شعر بأنه يؤدي واجبا مقدسا وعملا مفيدا .. فلولاه لخسر المذنبون الآخرة فضلا عن دنياهم .

عمل الجلاد في القرون الوسطى كان أشبه بعمل المخرج المسرحي في يومنا هذا , فعملية الإعدام بحد ذاتها كانت عبارة عن مسرحية تقام في الميادين العامة بحضور جمهور كبير متلهف لرؤية شيء مثير في زمن لم تكن فيه وسائل الترفيه متاحة .. لا تلفاز .. لا سينما .. لا انترنت .. لا مراكز تسوق .. لا شيء أبدا سوى حياة رتيبة يصحو الناس فيها مبكرا وينامون مبكرا .. كالدجاج تماما .. ويموتون مبكرا أيضا لكثرة الأوبئة والحروب والمجاعات . وعليه فأن إعدام شخص في ميدان المدينة أو البلدة كان حدثا استثنائيا , بمثابة مهرجان , يأتيه الناس زرافات وهو يرفلون بأجمل ثيابهم , وربما أحضروا معهم أطفالهم وطعاما يتناولوه ومكسرات يقزقزونها فيما هم بانتظار بداية العرض .

لكن لماذا لم يكن الناس يخشون هذه المشاهد الدموية في ذلك الزمان ؟ ..

الموت كان حاضرا بقوة في حياة الناس ..
الجواب ببساطة يكمن في كون الموت كان حاضرا بقوة في حياتهم آنذاك , وعليه فأن رؤية أحدهم يموت لم يعد أمرا مرعبا بالنسبة لمعظمهم . الأمر ذاته نراه اليوم في مناطق الحروب , فتكرار رؤية الجثث والأجساد الممزقة تجعل هذه المناظر أمرا عاديا حتى بالنسبة للنساء والأطفال .. أنه التطبع عزيزي القارئ .. التطبع الذي جعل جارتنا الفتاة السمراء الرقيقة التي أغمي عليها خلال أول حصة تشريح في كلية الطب .. جعلها اليوم خبيرة بفتح البطون وتقطيع الأوصال البشرية كأنها تقطع دجاجة في مطبخها ومن دون أن تهتز شعرة في رأسها ! .

وكانت الدول في ذلك الزمان حريصة على أن تشاهد شعوبها هذه المسرحيات والمهرجانات الدموية , فتلك كانت وسيلتها الوحيدة لإثبات سطوتها وقوتها في زمن لم يكن فيه وجود لوسائل الأعلام المعاصرة كي تصدع رؤوس الناس بالأخبار العاجلة عن موت فلان واعتقال علان . كانت الأخبار تنتقل بطريقتين , أما أن يسمعها الناس شفاها من أقربائهم وأصدقائهم القادمين توا من سفر , أو أن يروها عيانا , ولهذا السبب كانت رؤوس وأجساد المجرمين تعلق في الميادين وعلى بوابات المدن لفترات طويلة , فتلك كانت الوسيلة الوحيدة لنشر الخبر وإيصاله لأكبر عدد من الناس .

مهرجانات التعذيب والاعدام كانت مناسبات للفرجة والاستمتاع ! ..
التهيئة لمهرجان الموت لم تكن تبدأ من منصة الإعدام , بل من الزنزانة التي يقبع فيها المحكوم بالإعدام , إذ كانوا يهيئونه نفسيا للموت الذي سيتجرعه قريبا , فكان يأتيه قس ليسمع اعترافاته ويلقنه بعض الصلوات وقد يبقى معه حتى اللحظة الأخيرة . وكانوا يسمحون للمحكوم بوجبة أخيرة يأكل فيها ما يطيب له من طعام . ثم يأتي الجلاد ليزوره ويطلب منه المغفرة , ويتبادل الاثنان أطراف الحديث , فيسأل المحكوم عادة عن خطوات ومراحل تنفيذ الحكم .. وهل سيشعر بألم ؟ .. وهل سيطول عذابه ؟ .. وقد لا يكتفي الجلاد بالإجابة نظريا , بل يقوم بفحص عنق المدان من ناحية السمك والطول ليقرر ما سيتطلبه الأمر من جهد ووقت , وليس غريبا أن يعطي المحكوم بقشيشا للجلاد كي يحرص على أن لا يطيل عذابه وينهي الأمر بضربة واحدة .
وعندما يحين موعد إجراء الحكم يخرج المحكوم بمعية الجلاد والقس والحرس فيسيرون من السجن نحو الميدان الذي سينفذ فيه الحكم . ويختلف شكل هذه المسيرة من محكوم لآخر , فالمجرمين الخطرين قد يوضعون في قفص , وربما تم سحل البعض منهم , خصوصا أولئك الذين يجب أن يعذبوا قبل أن يعدموا . لكن غالبية المحكومين يسيرون على أقدامهم حتى المنصة ما لم يفقدوا رباطة جأشهم فيقعدهم الرعب عن المشي , وفي هذه الحالة يتم حملهم عنوة . وقد لا تخلو هذه المسيرة من هتافات أو شتائم أو أشياء تلقى على المحكوم لو كان مكروها , أو على الجلاد والحرس فيما لو كان المحكوم محبوبا . ثم يصل الموكب إلى الميدان فيصعد المحكوم مع الجلاد إلى المنصة , وعادة ما يسبق إجراء الحكم قراءة قرار المحكمة الذي يبين جرائم المدان . ثم يقوم الجلاد بضبط وضعية المحكوم , كأن يبقيه واقفا , أو يجعله راكعا , أو بهيئة السجود , والنساء عادة ما يتم إجلاسهن على كرسي . وقد يلجأ الجلاد لربط المحكوم إذا ما فقد أعصابه وأنهار , وقد يقوم بتكبيله ثم يمد عنقه فوق خشبة عريضة . وما أن يتم ضبط الوضعية حتى تقرع الطبول , وتحبس الأنفاس , وتشرأب الأعناق , ويرفع الجلاد سيفه أو فأسه عاليا في الهواء لبضعة لحظات , ثم يهوي به كالبرق الخاطف على عنق الضحية , فيتدحرج الرأس وتتخضب الأرض بالدماء . ثم يمسك الجلاد بالرأس المقطوع من شعره ويرفعه عاليا ليراه الجميع , وقد يوضع الرأس فوق سارية لفترة من الزمن , أو يدفن فورا مع الجسد .

هذه العملية , أي فصل الرأس عن الجسد , لا تستغرق سوى ثواني معدودة , لكنها تكون أهم جزء في العرض بأسره , فلأجلها أجتمع الناس , وعليها تتوقف سمعة الجلاد , ولهذا يحرص على أن تجري على أحسن وجه , فالعرض السيئ يجعل سلوك المتفرجين عدوانيا , وقد تخرج الأمور عن السيطرة , فالفشل بالضربة الأولى معناه تململ الجمهور , والفشل بالثانية يعني انهيال الشتائم والسباب من كل صوب وحدب , والفشل بالثالثة سيجلب معه الحجارة وقشور الفواكه العفنة , أما الفشل بالرابعة فقد يؤدي بالجمهور إلى صعود المنصة ليذيقوا الجلاد من نفس الكأس الذي يحاول هو أن يسقيها لضحيته .

ومن حسن حظ بطل قصتنا فأن هذه الإخفاقات كانت نادرة في حياته , فهو لم يحتج لثلاث ضربات إلا لمرة واحدة , حدث ذلك عند إعدامه لامرأة تدعى إليزابيث مختيلن كانت المحكمة قد أدانتها بزنا المحارم مع أخويها , وهي تهمة غالبا ما يلفقها حكام ذلك الزمان للناس الأثرياء من اجل قتلهم ومصادرة أموالهم .

فرانز شميت نال شهرة واسعة بين الجلادين لأنه ترك مذكرات بتفاصيل كاملة عن حياته وعن الـ 361 عملية إعدام التي نفذها خلال حياته , والكتاب الذي تركه فرانز يعد من النوادر لأنه الجلادون لا يتركون في العادة ورائهم مذكرات .. خصوصا في العصور القديمة .

فرانز شميدت تزوج ابنة جلاد مثله وأنجب منها عددا من الأطفال , ولاحقا في حياته أشتغل بالطب بعد أن تقدم به العمر وأعتزل عمله كجلاد وقد نال ثراءا واحتراما كبيرا بين الناس , وفارق الحياة عام 1634 .

شخصية أخرى امتهنت هذا العمل في عصر أكثر حداثة وبإتقان أكبر هو أنتول ديبلي Anatole Deibler الذي يعتبر أحد أشهر الجلادين الفرنسيين ممن عملوا تحت إشراف مصلحة السجون بفرنسا. ليس لكثر عدد المحكومين الذين أعدموا على يده فحسب, والبالغ عددهم 395 شخصا إلى حدود سنة 1939. بل أيضا لمدى التطور التقني و العلمي الذي شهده العالم مع بدايات القرن العشرين. فأعتمد أنتول على المقصلة لقطع كل تلك الرؤوس. إذ لم يعد استعمال الفأس متداولا بعد أن أشيع استخدام المقصلة خلال الثورة الفرنسية فكانت أكثر سرعة وأقل إحداثا للفوضى .

تغير الزمان وتبدل الأذواق جعل من الغريب بمكان تنفيذ أحكام الإعدام في ساحات عمومية على الملأ و أمام الكثير من الفضوليين بما في ذلك بعض الصحفيين الساعين لنشر صور الضحايا و الجلاد للحصول على سبق صحفي وبيع أكبر عدد من نسخ الصحف التي يعملون فيها .

لقد خرجت شخصية الجلاد من قالب العصور الوسطى حيث الصورة القاتمة واللاإنسانية إلى قالب مختلف في عصر أكثر حداثة يعتمد فيه الناس على السيارات والطائرات في تنقلاتهم وعلى الصور الفوتوغرافية لتخليد ذكراهم.

رؤوس مقطوعة بالمقصلة .. في الاعلى للسفاح الالماني فريتز هارمان .. وفي الاسفل الاخوان بوليت .. لصوص وقطاع طريق
ولد أنتول ديبلي سنة 1863 وعانى من طفولة غير سعيدة وهو يعمل منذ نعومة أظافره في مصانع النسيج. وحين تجاوز العشرين عاما أدى الخدمة العسكرية قبل أن يقرر امتهان عمل الأجداد ألا وهو أن يكون جلادا. فألتحق بجده لأمه أنطوان راسينو Antoine Rasseneux بمستعمرة فرنسا بالجزائر والذي نفذ بدوره الكثير من الأحكام ضد المناضلين الأبطال بالجزائر. هنالك تعلم أنتول المهنة من جده ونفذ 18 حكما بقطع الرأس. وبعد أن زكاه والده لويس ديبلي Louis Deibler لمهنة مساعد جلاد عاد إلى فرنسا و إلتحق بعمله الجديد حيث ساعد في تنفيذ حوالي 80 حكما.

في ربيع عام1898 تزوج أنتول من روزالي روجي وقام بتوظيف أخويها لويس و أجين كمساعدين له. وهكذا بقي العمل داخل العائلة.

بعد تقاعد والده, كلف أنتول رسميا كمسئول أول على تنفيذ أحكام الإعدام بفرنسا. تلك الليلة من لم ينم بل ضل منتظرا أول خيوط فجر يوم السبت من منتصف شهر يناير سنة 1899 لينفذ أول مهمة خاصة به.

في الصباح الباكر وضعت المقصلة أمام المدخل الرئيسي للسجن وتجمع الناس من كل حدب وصوب.

تقدم أنتول من الضحية بخطى غير ثابتة لكنه حاول أن يحافظ على رباطة جأشه. ولقد وصفته الصحف الصادرة في ذلك اليوم " بالشاب الثلاثيني الأنيق صاحب القبعة السوداء وطقم الملابس الرسمي".
لكن أنتول كان عكس تلك الصورة الهادئة فبعد أن تلى الضابط المسئول عن العملية طبيعة جرائم المتهم وموجبات الحكم عليه أعطيت الإشارة لأنتول لكي ينفذ الحكم . وبيدين مرتجفتين أنزل المقصلة سريعا وبقوة إلى درجة أن وجهه ويديه تلطخوا بالدماء. ومرت لحظات صمت نظر الجميع فيها إلى بعضهم البعض. فطلب أنتول من مساعده لويس بعض المياه ليغتسل وكانت عملية الإعدام الدموية تلك هي بداية رحلة طويلة من قطع الرؤوس استمرت لأكثر من نصف قرن وأنتهت على رصيف محطة القطارات بورت دوسان كلود Porte de Saint-Cloud حيث كان انتول متوجها إلى عمله كالعادة في سجن راين , كان عليه أن ينفذ الإعدام بحق المتهم موريس بيلغور , لكنه لم يصل أبدا إلى وجهته .. سقط أنتول ديبلي على الرصيف وفارق الحياة تاركا وراءه قائمة طويلة بأسماء أناس أنهى حياتهم , وسواء كانوا مذنبين أم أبرياء فهو لم يتأخر يوما في أداء عمله.

في النهاية قد لا يخلو عمل الجلاد من وحشية وقوة شخصية لكنه بكل تأكيد ليس من الأعمال التي يمكن نسيان تفاصيلها بسهولة ما أن ينهيها صاحبها ويعود إلى منزله , فهي بلا شك تحفر داخل الإنسان جروحا غائرة قد لا يتخلص منها أبدا...

كاثرين نايت .. جزارة أبردين









كاثرين نايت .. جزارة أبردين

بسم الله الرحمن الرحيم

معظم الرجال يحلمون بالارتباط بامرأة رقيقة وعذبة , وقد يظن البعض بأن هذه الخصال موجودة بالفطرة لدى جميع النساء, لكن هذا محض خيال , لا أقول طبعا بأنه لا توجد امرأة رقيقة , لكن هناك أيضا ممثلات محترفات , يتظاهرن بكل ما يرغب فيه الرجل حتى إذا ما خطت قدماه داخل القفص وسُدت خلفه الأبواب وأسدل عليه الستار وحيل بينه وبين درب الفرار .. نزعن ثوب الرقة وأظهرن وجها يستطير الشيطان منه ويفزع . وبطلة قصتنا من هذا النوع , امرأة لا أوقعك الله في شراكها عزيزي القارئ ولا كُتب عليك أن يغلق دونكما باب واحد .. زوجها الأول نقلوه إلى المستشفى في ليلة "الدخلة" لأنه لم يكن بدرجة الفحولة التي كانت تريد ! .. فاستشاطت غضبا ,  , وانقضت عليه ضربا ورفسا وخنقا , وكان من عادتها أن تضع سكينا قرب سريرها , فاستلت ذلك السكين وقربته إلى عنق العريس المذعور تروم ذبحه لولا أن تدخل الأهل والجيران فأنقذوه وقد كاد أن يموت رعبا .

هذا كان زوجها الأول .. أما الثاني فقد عثروا على رأسه المقطوع داخل وعاء يغلي بالماء مع بعض البطاطا والملفوف والباذنجان ! .

أي امرأة هذه ؟! ..

إنها كاثرين نايت (Katherine Knight ) .. جزارة و"فتوة" أسترالية متخصصة في إذلال الرجال ومسح الأرض بكرامتهم ..

ابردين استراليا .. شهيرة بصناعة اللحوم ..
ولدت عام 1955 . جاءت إلى الدنيا بعد 20 دقيقة على ولادة شقيقتها التوأم جوي . وكان مجيئها مصحوبا بفضيحة , فأمها باربرا هجرت زوجها الأول ووالد أطفالها الأربعة جاك راون لتهرب مع شريكه في العمل كين نايت , وكان التوأم كاثرين وجوي هما ثمار هذه الخيانة .

طفولة كاثرين كانت بائسة , كان والدها كين جزارا , وكان سكيرا يسرف في الشرب حتى يفقد إحساسه بما حوله , ولم يكن يتوانى وهو على تلك الحالة من اغتصاب الأم باربرا أمام أنظار أطفالها . كاثرين نفسها لم تنجو من التحرشات , ليس من قبل أبيها , بل على يد أخوتها لأمها , زعمت بأنهم تحرشوا بها جنسيا منذ سن مبكرة وأستمر الأمر حتى الحادية عشرة من عمرها .

وبسبب مهنة الوالد تنقلت العائلة كثيرا بين مزارع الماشية حتى أستقر المقام بها أخيرا في مدينة استرالية صغيرة تدعى ابردين حيث وجد كين عملا دائما في إحدى المجازر .

كاثرين الصغيرة كانت طفلة لطيفة وهادئة تحب الحيوانات وتعطف عليها , لكنها تغيرت في مرحلة ما من نشأتها , أصبحت تنتابها حالات من العصبية المفرطة تفقد خلالها رشدها . لهذا لم يجرؤ أحد على إغضابها . زملاءها بالمدرسة المتوسطة يتذكرون بأنها كانت وحيدة وتتنمر على الآخرين , لكن عموما فأن سلوكها كان مثاليا مادامت في مزاج جيد , أما حين تغضب فلم يكن يقف أمامها شيء , الصبيان كانوا يتجنبون العراك معها ويخشونها , ذات مرة ضربت زميلا لها وهددته بسكين , وفي مناسبة أخرى تعرضت هي نفسها لجروح عندما هاجمت أحد المدرسين لتضربه فأضطر للدفاع عن نفسه .

أشد صدمة في طفولة كاثرين كانت انتحار عمها اوسكار نايت , كانت تحبه كثيرا , وكان أقرب إليها من والدها , وقد زعمت لسنوات طويلة بأن شبحه يزورها بيت الفينة والأخرى .

في الخامسة عشر تركت كاثرين المدرسة نهائيا وهي بالكاد تعرف القراءة والكتابة . اشتغلت لبضعة أشهر في مصنع خياطة قبل أن يتحقق حلم حياتها بالعمل إلى جوار أبيها وشقيقها وشقيقتها في المجزرة . كان عملها بسيطا في البداية , لكنها سرعان ما حازت على أعجاب مديريها فقرروا ترقيتها إلى جزارة . وكانت أسعد لحظات حياتها حين سلموها عدة العمل الخاصة بها لأول مرة .. الساطور والسكاكين .

طباع كاثرين الحامية ومهنتها الدامية لم تمنع من كونها امرأة مفعمة بالأحاسيس , تحب وتعشق وتتمنى أن تتزوج . المشكلة الرئيسية هي أن جميع الرجال كانوا يخشونها , فهم لم يشاهدوا في حياتهم امرأة مثلها , امرأة جزارة تتنكب السواطير وتتحزم السكاكين وتتشاجر مع الرجال في الشارع فتشبعهم ضربا .

مرة حاول أحدهم التقرب إليها فاستلت سكينها ووضعته على عنقه ففر الرجل مذعورا لا يلوي على شيء وكان ذلك بمثابة تحذير لبقية الرجال فلم يجرؤ أحد بعدها على إزعاجها .

إذلال الرجال كان يروق لكاثرين , لكنها في نفس الوقت كانت تريد واحدا منهم ليكون شريك قلبها وفراشها , وقد أدركت جيدا بأنه مادام الساطور يلوح في يدها فأن أحدا لن يقترب منها أبدا , لذا لم تجد بدا في النهاية من أن تلعب هي نفسها دور الرجل , فتقدمت وعرضت قلبها على زميل لها في العمل يدعى ديفيد كيليت , فوافق الرجل على أن يكون حبيبها بعد تردد , ولعله وافق خوفا منها .

في اليوم التالي فغر سكان المدينة أفواههم وهم يشاهدون كاثرين تقود دراجتها النارية وقد أردفت رجلا ورائها .. أخيرا عثرت النمرة المتوحشة على ذكر .. ولعله يروضها . ولقد دافعت كاثرين عن صيدها بضراوة , فكانت تذب عن حبيبها كلما أحتاج للحماية , ولقد تشاجر مرة مع بعض الرجال في الحانة فأتت على دراجتها النارية ولقنت خصومه درسا جعلهم يفكرون مليا قبل أن يجرؤوا على المساس بـ "ذكر" جزارة ابردين .

في عام 1974 تزوج الحبيبان أخيرا , ركبت كاثرين دراجتها النارية بملابس العروس وأردفت عريسها وراءها ثم طارت بغنيمتها إلى المنزل , هناك كانت أمها باربرا باستقبالهم , وكان أول ما قالته لعريس أبنتها هو التالي :

" عليك أن تراقب هذه الفتاة جيدا وإلا قتلتك . عاملها بطريقة خاطئة أو أفعل شيئا خاطئا وانتهى أمرك . لا تفكر أبدا في خيانتها أو خداعها لأنها ستذبحك ... أبنتي لديها برغي ناقص في دماغها ! " .

هذه كانت أول نصيحة تلقاها ديفيد في يوم عرسه , أما ما حدث في ليلة الدخلة فلا داعي لأن أعيد تفاصيله على مسمعك عزيزي القارئ , فالزوج المسكين أكل "علقة " لا تنسى لأنه النعاس تسلل إلى جفونه مبكرا ولأنه لم يكن فحلا على المستوى الذي كانت كاثرين ترجوه وتأمله ! . ولم تكن تلك المرة الأخيرة التي سيتعرض خلالها للضرب المبرح من قبل زوجته .

في الواقع كانت كاثرين زوجة حنونة ومحبة ورائعة حين تكون في مزاج جيد .. كانت كالبحر .. هادئ وصاف في معظم الأوقات , لكن كان الله في عون "البحارة" حين تتلبد سماءها بالغيوم وتصاب أمواجها بالجنون , كأنما العفاريت تركبها فتفقد صوابها تماما . ذات ليلة قامت بحرق جميع ملابس زوجها لأنه تأخر قليلا في العودة إلى المنزل ثم ضربته على رأسه بالمقلاة ففقد وعيه ونقل إلى المستشفى حيث عولج من كسر بسيط في الجمجمة .

وبرغم طبعها الحامي وتعديها المستمر على المسكين ديفيد فقد أثمر زواجهما عن ولادة طفلتين .. ميليسا 1974 و نتاشا 1980 .

وبعد أشهر قليلة من ولادة أبنته الثانية لم يعد ديفيد يطيق الحياة مع كاثرين فهرب مع امرأة أخرى , وحين علمت كاثرين بذلك جن جنونها , أرادت أن تنتقم منه وتحرق قلبه , فأخذت طفلتها الرضيعة وتركتها على قضبان السكة الحديد ! .. وكادت الطفلة أن تضيع لولا أن مر رجل صدفة فأنقذها قبل دقيقة واحدة فقط من مرور القطار . وبسبب فعلتها الحمقاء ألقي القبض على كاثرين وجرى نقلها لمستشفى الأمراض العقلية , لكنها لم تمكث هناك طويلا , إذ سرعان ما تم تسريحها .. وسرعان ما عاودها جنونها , هذه المرة أوقفت سيدة تقود سيارة فجرحتها في وجهها بالسكين وأجبرتها على أن تقلها إلى كوينزلاند , لقد سمعت بأن زوجها هرب إلى هناك برفقة حبيبته وأمه . لكن صاحبة السيارة تمكنت من الفرار في محطة وقود على الطريق وأبلغت الشرطة .

رجال الشرطة أحاطوا بالمحطة من كل جانب , لكن كاثرين لم تستسلم بسهولة , أمسكت بصبي وهددت بذبحه فيما لو لم يتركوها تمضي في حال سبيلها , لكن لحسن الحظ تمكنت الشرطة من إنقاذ الصبي والسيطرة على كاثرين بواسطة العصي الكهربائية وتم نقلها للمستشفى مجددا , هناك أخبرت الممرضات بأنها كانت تنوي الذهاب أولا إلى ورشة لتصليح سيارات لكي تقتل العامل الذي قام بتصليح سيارة زوجها مما سمح له بالفرار ! .. وبعد ذلك تذهب إلى كوينزلاند لتقوم بذبح زوجها وأمه .

الشرطة اتصلت بديفيد وأخبرته عما كانت زوجته تعتزم فعله , فشعر الرجل بالذعر وترك حبيبته الجديدة ثم حمل أمه معه وعاد إلى كاثرين في المستشفى يتوسلها أن تسامحه وتغفر له زلته .

السنوات التالية كانت مشبعة بالبؤس بالنسبة لديفيد , لكن في يوم ما من عام 1984 استجاب الله لتضرعاته أخيرا حين عاد إلى المنزل ووجده فارغا , كاثرين قررت هجره ! , حملت طفلتيها وكل ما غلى ثمنه وخف وزنه وذهبت إلى منزل والديها , وكان ذلك هو أفضل ما حدث لديفيد كليت طيلة حياته .

بعد بضعة أشهر على هجرها لزوجها تعرضت كاثرين لحادث في المجزرة فآذت ظهرها واضطرت للمكوث بلا عمل لفترة , ونتيجة لذلك حصلت على شقة من الدولة كإعانة . وخلال فترة نقاهتها راحت تبحث عن رجل من جديد . في الحقيقة هي لم تكن فاشلة تماما في التقاط الرجال , كانت تبدو ساحرة ومرحة وجذابة لمن يراها للوهلة الأولى , لكن معظم رجال ابردين كانوا يعلمون بشأن نوبات الغضب المسعورة التي تنتابها , وكانوا يعلمون أيضا بأنها سيدة متطلبة جدا , القليلون فقط هم أولئك القادرون على إشباع ومجاراة رغباتها المتقدة . ولذلك فأن التقرب إليها كان بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر . لكن أحد رجال أبريدن قرر أن يخوض غمار تلك المغامرة , كان يدعى ديف ساندريز – 38 عاما - , تعرفت عليه كاثرين عام 1986 في بهو أحد الفنادق حيث أعتاد على التواجد هناك لاحتساء الخمر ولعب القمار .

ديف أنتقل للعيش مع كاثرين في شقتها , لكنه أبقى على شقته في بلدة "سكون" القريبة وذلك بعد أن سمع تحذيرات كثيرة عن طباع وأخلاق صديقته المتقلبة .

الأسابيع الأولى كانت رائعة , لكن عفاريت كاثرين سرعان ما بدأت تلح عليها مجددا , وفجأة .. في مساء يوم جميل , وبدون أي مقدمات , تجهمت كاثرين واتهمت ديف بأنه على علاقة بامرأة أخرى , الرجل دفع ببراءته , لكن من دون جدوى , كاثرين الغاضبة ضربته بقسوة ثم ركلته إلى خارج شقتها , فعاد الرجل لشقته , ولم تمضي سوى دقائق عليه هناك حتى دقت كاثرين بابه وراحت تتوسل وتبكي من أجل أن يسامحها ويعود معها ! .. وبالرغم من أن ديف لم يفهم أصلا ما الذي جرى , لكنه وافق على العودة معها .

ومنذ تلك اللحظة أصبح ضرب وطرد ديف أمرا روتينيا , وصار هو يعلم بأنها ستلحق به وتتوسله وتترجاه في كل مرة تطرده فيها , والعجيب هو أنه دائما كان يوافق على العودة معها .

جنون كاثرين كان بلا حدود , ذات مساء , ومن دون سبب محدد , أمسكت بجرو ديف ذو الشهرين وذبحته أمام ناظريه بسكينها من اجل أن يعلم ماذا ينتظره فيما لو تجرأ على خيانتها مع امرأة أخرى , ولم تكتف بذلك , فبينما أنكب الرجل على جروه المخضب بالدماء أتت من وراءه وضربته بالمقلاة على رأسه فسقط مغشيا عليه .

علاقة كاثرين وديف كانت عجيبة حقا , في كل مرة يتشاجران تلحق به وتعيده , يتبع ذلك عدة أيام من الصلح والسعادة والعسل قبل أن يبدأ شجار جديد ! .. ثم تتكرر الدورة من جديد . وقد نتج عن أيام الصلح والعسل طفلة جميلة اسمها ساره ولدت عام 1989.

بعد ولادة سارة انتقلت كاثرين من الشقة الحكومية إلى منزل أشترته بمال أقرضها إياه ديف وأعادته له لاحقا . كان ذلك المنزل هو أول شيء تمتلكه في حياتها , وقد بالغت في تزيينه , غطت جميع الجدران والأرضيات والسقوف بجلود البقر والجاموس , وعلقت الكثير من جماجم الحيوانات والقرون على حيطانه , وزينت أركانه بالسكاكين والسواطير وفخاخ الحيوانات وسترات الدراجات النارية والأحذية الطويلة وغيرها من الأمور الغريبة . كان متحفا اقرب منه إلى منزل , وكان انعكاسا لخيالات كاثرين المضطربة .

فرحة المنزل الجديد لم تدم طويلا , وسرعان ما نشب شجار جديد , هذه المرة قامت كاثرين بضرب ديف بواسطة قضيب حديدي ثم طعنته في بطنه بمقص وقامت بتقطيع ملابسه , فطفح كيل الرجل وترك المنزل . وكالعادة لحقت به كاثرين إلى شقته لتعيده .. لكنه لم يكن هناك , سألت عنه في المنجم , لكنه زملاءه لم يروه , حتى حانة الفندق لم يعد يتردد عليها . بحثت عنه في كل مكان من دون جدوى , فظنت بأنه يهجرها وشعرت بحنق شديد وقررت أن تنتقم منه , ذهبت إلى الشرطة وأبلغتهم بأنه شخص مختل وعنيف درج على ضربها وإيذاءها , وحصلت على أمر من الشرطة يقضي ببقائه بعيدا عنها وعن أطفالها .

بعد شهر عاد ديف ليرى طفلته , وفوجئ بالأمر الذي استصدرته كاثرين من الشرطة . وكانت تلك هي نهاية العلاقة .

في الحقيقة كاثرين لم تتخلى عن ديف إلا بعد أن وجدت رجلا آخر , جان شيلنكوورث – 43 عاما – , زميلها في المجزرة ,  استمرت العلاقة بينهما بشكل متقطع لمدة ثلاث سنوات ونتج عنها طفل اسمه ايريك . وخلال تلك السنوات الثلاثة كانت كاثرين تخون شيلنكوورث مع رجال آخرين , وبالنهاية هجرته من أجل أحد أولئك العشاق ويدعى جون برايس , عامل منجم , مطلق , لديه ثلاثة أطفال , اثنان منهم يعيشان معه .

كان جون على دراية بالقصص التي تدور حول كاثرين , كيف لا وهي نار على علم في المدينة بأسرها , ومع هذا فقط سمح لها بالانتقال للعيش معه في شقته عام 1995 .

في البداية وكما في جميع علاقات كاثرين فأن الحياة كانت سعيدة وزاهية , كانت كاثرين ساحرة ولطيفة حتى أن أطفال جون أحبوها وتعلقوا بها . لكن مثل كل مرة , لم يدم ذلك طويلا , وبدأت المشاكل .

كان أساس المشاكل هذه المرة هو رفض جون المستمر لفكرة الزواج من كاثرين رسميا . وبدأ الحبيبان يتشاجران , وأخذا أصواتهما ترتفع وتزداد حدة حتى وصلت لأسماع الجيران . وأثر واحدة من تلك الشجارات العنيفة قررت كاثرين أن تنتقم من جون , فقامت بتصوير شريط فيديو لبعض الحاجيات التي كان جون قد أخذها خلسة من محل عمله ومن دون استئذان مرؤوسيه , وقامت بإرسال الشريط إلى إدارة الشركة التي أمضى جون 17 عاما يعمل فيها .

في الواقع اغلب الحاجيات المصورة في الشريط كانت مستهلكة وتعد من النفايات , لكن الإدارة قررت طرد جون .

جون استشاط غضبا وطرد كاثرين من منزله , فعادت لمنزلها , لكن القطيعة لم تستمر طويلا وسرعان ما عادت المياه لمجاريها بعد أسابيع قليلة , فعادت كاثرين لتسكن مع جون وطفليه . لكن كما في كل مرة فأن حلاوة الصلح لم تدم طويلا , وأخذ الحبيبان يتشاجران من جديد , وأصبحت شجاراتهما أعنف من السابق , وصار أصدقاء جون يتحاشونه مادامت كاثرين معه .

في شباط /فبراير عام 2000 ساءت العلاقة بينهما كثيرا . خلال أحدى الشجارات التي أمسك فيها الاثنان بتلابيب بعضهما وجهت كاثرين طعنة خفيفة لجون بالسكين فطردها من منزله , وهذه المرة قرر أن ينهي علاقته بها , فذهب إلى الشرطة وأستحصل منهم أمرا يقضي بعدم اقتراب كاثرين منه ومن طفليه .

جن جنون كاثرين حين علمت بذلك , أدركت بأنه ينتوي قطع العلاقة نهائيا . وأدرك جون بأنها لن تسكت , فاخبر رفاقه في المنجم بأنه لو لم يحضر إلى العمل صباح اليوم التالي فليعلموا بأن كاثرين قتلته , فنصحوه أن لا يعود لمنزله , لكنه قال بأنه يخاف بأنه لو لم يذهب فأنها ستنتقم من طفليه .

في مساء ذلك اليوم عاد جون لمنزله ووجده فارغا وعلم بأن كاثرين أرسلت أطفاله لمنزل بعض الأقارب ليمضيا الليلة هناك .

جون ذهب إلى منزل جاره وقضى بضعة ساعات هناك ثم عاد إلى منزله قرابة الحادية عشر ليلا وخلد إلى النوم . بعدها بفترة قصيرة أتت كاثرين ودخلت المنزل , جلست تشاهد التلفاز لبعض الوقت ثم دخلت الحمام واغتسلت وأردت طقم ملابس داخلية أسود كانت قد أشترته عصر ذلك اليوم ثم دخلت إلى حجرة جون وأيقظته ومارسا الجنس , وحين انتهيا خلد جون إلى النوم من جديد .  

في صباح اليوم التالي لم يظهر جون في محل عمله , كانت سيارته ما تزال واقفة أمام منزله , ولأنه اخبر أصدقاءه وجيرانه مسبقا بالخطر المحدق به لذا شعر هؤلاء بالقلق وأتوا ليتبينوا خبره , طرقوا باب المنزل كثيرا من دون أن يتلقوا جواب , فنظروا عبر النافذة وهالهم ما رأوه , إذ كانت هناك بقع دم على الأرضية والجدران , فأبلغوا الشرطة بالحال .

عند الساعة الثامنة صباحا وصل شرطيان إلى المنزل ودخلا عبر الباب الخلفي , كان هناك دم في كل مكان .. على الأرضية .. الجدران .. وحتى على السقف . وفي الصالة عثروا على جون , أو بالأحرى ما تبقى من جون , إذ كانت أوصاله مقطعة وقد تم فصل رأسه وسلخ جلده . وفي غرفة مجاورة عثروا على كاثرين فاقدة للوعي , كانت قد ابتلعت حبوبا منومة بغية الانتحار فتم نقلها إلى المستشفى على عجل وتمكنوا من إنقاذها .

بحسب ضباط الأدلة الجنائية الذين عاينوا مسرح الجريمة فأن واقعة القتل حدثت في ساعة متأخرة من الليل , من الواضح أن كاثرين قررت في لحظة معينة من تلك الليلة أن تقتل جون فدخلت حجرته وطعنته بالسكين في صدره , فقفز الرجل عن فراشه فزعا , وحاول فتح النور ليتبين ما الذي يجري , لكن الطعنات استمرت تلاحقه , ففر من الغرفة وراح يركض من اجل الخروج من المنزل , وفيما هو يركض من حجرة إلى أخرى كانت يتعرض لطعنات متتالية , والعجيب أنه رغم ذلك تمكن من الوصول إلى باحة المنزل , لكن يبدو بأنه تعثر هناك أو ربما خارت قواه نتيجة الرعب والألم فسقط أرضا وأمسكت به كاثرين وقامت بسحله إلى الداخل من جديد .

ووفقا لتقرير الطبيب الشرعي فأن جون برايس تعرض إلى 37 طعنة في مناطق مختلفة من جسمه من الأمام ومن الخلف .

كاثرين سحبت جون إلى الصالة , وشرعت بسلخ جلده كما اعتادت أن تفعل مع الحيوانات التي تذبحها في المسلخ , وبحسب التقرير فأن جون كان ما يزال حيا حينما بدأت كاثرين بسلخ جلده ومات لاحقا خلال العملية .

كاثرين سلخت الجلد بحرفية وبراعة كبيرة , سلخته قطعة واحدة , حتى جلد أصابع القدم واليد سلخته وأخرجته سالما من دون تقطع أو تهتك .

والآن تخيل المنظر معي عزيزي القارئ .. قطعة جلد كبيرة تحتوي على فروة الرأس والأذان والشفاه والأنف ومحاجر العيون والحلمات والصرة وشعر الإبط والعانة .. حتى العضو التناسلي سلخته كاملا وبعناية كبيرة . بصراحة كان عملها متقنا إلى درجة لا يجيدها سوى القصابون المحترفون ، وربما لا يدانيها في براعتها سوى الجلادون الأشوريون في العصور القديمة الذين اشتهروا بسلخ جلود أعدائهم وهم أحياء .

بعد انتهائها من السلخ أخذت الجلد ونشرته على باب الصالة ثم شرعت بتقطيع الجثة , قامت أولا بفتح الصدر والبطن على شكل حرف T واستخرجت القلب والكبد والأحشاء , ثم راحت تقطع شرائح خالصة من اللحم من منطقة المؤخرة والفخذ ووضعتها في أناء , وقامت كذلك بفصل الرأس ووضعته في وعاء كبير .

وبحسب التقرير الطبي فأن العملية برمتها , أي القتل والسلخ والتقطيع , لم تأخذ من كاثرين أكثر من أربعين دقيقة , ولا عجب في ذلك فهي جزارة محترفة منذ نعومة أظافرها .

كاثرين أخذت اللحم والرأس إلى المطبخ , هناك وضعت اللحم في مقلاة وأضافت إليه التوابل والبصل واللفت والبطاطا والكوسا ومعجون الطماطم والملح والفلفل ثم قلبته بعناية حتى نضج فقسمته على ثلاث صحون , اثنان منهما وضعتهما على مائدة الطعام , وبجوار كلا منهما وضعت قصاصة ورقية مكتوب عليها أسم أحد أبناء جون , كانت تريد إطعام لحم جون لأبنه وأبنته حين يعودان إلى المنزل عند الظهيرة .

أما الصحن الثالث فقد عثرت عليه الشرطة مرميا في الحديقة الخلفية وقد بعثرت محتوياته على الأرض . الظاهر أن كاثرين أكلت القليل من لحم جون لكنها سرعان ما شعرت بالغثيان فرمته .

أما الرأس فقد عثروا عليه يغلي في قدر مع الخضار .

بعد أن انتهت من الطبخ عادت كاثرين والتقطت صورة لجسد جون الممزق أربا بعد أن وضعت في يده اليسرى زجاجة خمر فارغة , وكتبت على الصورة , بيد وأصابع مضمخة بالدم , كلاما زعمت فيه بأنها فعلت ما فعلت انتقاما لقيام جون باغتصاب واحدة من بناتها , وهو اتهام ليس هناك ما يثبته

كانت جريمة مقتل جون برايس مروعة بكل معنى الكلمة , هزت ابردين واستراليا بأسرها , وكان الجميع الآن بانتظار استيقاظ كاثرين من غيبوبتها ليعرفوا ماذا ستقول .. كيف فعلت ذلك ؟ .. لماذا ؟ .. كيف طاوعها قلبها ؟ ..

لكن كاثرين فاجأت الجميع حين استيقظت وأخبرت المحققين بأنها لا تذكر شيء عن ليلة الجريمة , آخر ما تذكره من تلك الليلة هو أنها عادت إلى منزل جون وصالحته ثم مارسا الجنس وكانا في منتهى السعادة وبعدها قام جون عن الفراش وذهب ليتبول فغلبها النعاس ونامت ولا تذكر ماذا حصل بعد ذلك ! .

الطبيب النفسي الذي عاين كاثرين قال بأنها كانت فعلا في حالة جنون تامة ساعة ارتكاب الجريمة , وقال بأن نسيانها لما حدث سببه عدم تقبل عقلها لبشاعة ما فعلته , خصوصا التهامها أجزاء من جسد الضحية , لذلك قام دماغها بإغلاق أو مسح الذكريات المتعلقة بتلك الليلة الدموية .

تم عرض كاثرين على العديد من الأطباء النفسيين خلال الأسابيع التي تلت الجريمة , وقد أجمع معظمهم بأنها ليست في كامل قواها العقلية , وأنها مصابة بمرض نفسي يدعى اضطراب الشخصية الحدي (Borderline personality disorder ) , وأهم ما يميز هذا المرض هو أن المصابين به تكون لديهم خشية شديدة من التعرض للتهميش والإقصاء وتنتابهم نوبات شديدة من الغضب والعنف , وهو وصف دقيق لسلوك كاثرين طيلة حياتها .

بغض النظر عن أقوال الأطباء النفسيين كانت هناك أمور تدين كاثرين , أولا كان لديها سوابق كثيرة في الاعتداء العنيف على الرجال , ثانيا كانت قد هددت بقتل جون علنا أمام العديد من الشهود , وكذلك قيامها في اليوم السابق للجريمة بتصوير شريط فيديو مع أطفالها قالت خلاله عبارات تدل على نيتها القيام بعمل سيؤدي إلى ابتعادها عن عائلتها . كل تلك الأمور كانت ترجح كونها اقترفت الجريمة عن سابق إصرار وترصد .

وتم تقديم كاثرين للمحاكمة , في البداية أصرت على أنها بريئة وإنها لم تكن واعية عندما اقترفت جريمتها , وتوقع الجميع محاكمة طويلة ومتعبة , حتى أن الإدعاء العام حذر المحلفين من إن التفاصيل والصور التي ستعرض عليهم خلال هذه المحاكمة ستكون مروعة ويصعب تحملها . لكن بعد جلسة أو جلستين فقط غيرت كاثرين أقوالها من بريئة إلى مذنبة , لا احد يعلم لماذا فعلت ذلك , البعض يرى بأنها فعلت ذلك من أجل حماية أطفال جون وتجنيبهم سماع التفاصيل المروعة لما جرى لوالدهم . بينما رأى آخرون بأنها هي نفسها لم تتحمل سماع تلك التفاصيل , فخلال الجلسة الأولى للمحاكمة وحين أخذ الطبيب الشرعي يتحدث عن ما جرى لجون من طعن وسلخ وذبح أخذت كاثرين تتصرف بهستيرية مما تطلب حقنها بمواد مخدرة لتهدئة روعها .

اعتراف كاثرين بالذنب أنهى محاكمتها عمليا , لم يتبقى سوى إصدار الحكم , ولقد حاول المحامون الدفع بحجة الجنون , لكن القاضي لم يقبل بذلك وأصدر حكما بالسجن مدى الحياة من دون أي فرصة للعفو أو أطلاق السراح . ويعد ذلك أقسى حكم تلقته امرأة في استراليا بعد إلغاء عقوبة الإعدام عام 1984 .

كاثرين نايت ما تزال مسجونة حتى يومنا هذا , ومن المستبعد أن تغادر السجن في القريب العاجل . وبحسب الصحف الأسترالية فأن كاثرين تعمل حاليا كمنظفة لمكاتب موظفي السجن . وبالرغم من كونها جزارة محترفة وطباخة ممتازة إلا أنهم منعوها من الوصول إلى المطبخ .. فلا احد طبعا يتمنى رؤية كاثرين نايت والساطور يلوح في يدها 

وأخيرا اعتقد ان كاثرين كانت قاهرة للذكور وليس للرجال لان ازواجها كانوا ذكورا مثل ذكر البط وذكر الحمام ومن يستطيع التعايش مع الذل فليس برجل ..